السقوط في بئر سبع القصة الحقيقية لصاحبة الجاسوسة 1974

ما إن فتحت إنشراح علي مرسي باب منزلها وهمت بالدخول، إلا ووجدت في انتظارها بالمنزل ما لم يخطر على بالها قط، فقد وجدت رجال المخابرات المصرية ينتظرونها بالداخل، ولم تشعر بنفسها إلا وأحدهم يقترب منها ويجذبها من يدها ويقول لها: “حمدا لله على السلامة يا مدام دينا”!، وعلى الفور أبدت تعجبها واستنكارها من مخاطبتها بهذا الاسم وقالت بحدة: من أنتم ومن دينا هذه؟! أنا اسمي إنشراح علي مرسي.
السقوط في بئر سبع
وإذا بابنيها الصغيرين محمد وعادل يقبلان عليها مهرولين ويقومان باحتضانها وهما يبكيان، وأخبراها بأن رجال المخابرات المصرية قد قاموا بإلقاء القبض على والدهما وشقيقهما الأكبر نبيل، الموجودين حاليا في مبنى المخابرات المصرية للتحقيق معهما، وقام رجال المخابرات المصرية بتفتيش إنشراح، وعثروا بداخل حقيبة يدها على مفتاحين مخصصين لتشغيل جهاز الإرسال اللاسلكي، فتم اصطحابها هي وولديها الصغيرين إلى مبنى المخابرات العامة المصرية.
وطوال الطريق من منزلها إلى مبنى المخابرات المصرية كان السؤال الوحيد الذي أصابها بالحيرة ولم تجد له إجابة هو كيف كشف رجال المخابرات المصرية سر أسرتها الدفين؟
وبالطبع لم تكن تعلم أن رجال المخابرات المصرية قد كشفوا سر أسرتها يوم أن حاولوا استخدام جهاز الإرسال اللاسلكي للمرة الأولى، وكان ذلك عن طريق جهاز روسي متطور اسمه “صائد الموجات”، وكان هذا الجهاز هو الذي التقط ذبذبات جهاز الإرسال اللاسلكي وهم يحاولون إرسال الرسالة لرجال الموساد، ووقتها قامت المخابرات المصرية بتمشيط المنطقة كلها، ومع تكرار محاولات إبراهيم شاهين إرسال الرسالة لرجال جهاز الموساد _بسبب عطل مفتاح التشغيل_ أمكن تحديد مكانه بالضبط، وتم وضع منزلهم تحت المراقبة منذ ذلك اليوم.
وبينما كانت إنشراح في إسرائيل وتحديدا في يوم 5 أغسطس 1974، كان رجال المخابرات المصرية يقتحمون منزل أسرة الجواسيس ويلقون القبض على زوجها الذي وبمجرد أن شاهد رجال المخابرات المصرية أصابته حالة هستيرية وأخذ يردد في هلع: “أنا غلطان، أنا ندمان، الجوع كان السبب، النكسة كانت السبب، اليهود جوعوني واشتروني بالدقيق والشاي والسكر”، وقام رجال المخابرات المصرية وقتها بتفتيش المنزل، فعثروا على جهاز الإرسال اللاسلكي، كما عثروا على نوتة الشفرة التي كانوا يستخدمونها، وتم القبض على الجاسوس وولده الأكبر، وبقي بعض رجال المخابرات المصرية داخل المنزل بصحبة الولدين الصغيرين محمد وعادل انتظارا لوصول أمهما إنشراح من إسرائيل.
والمثير للدهشة أنه بينما انهار الجاسوس إبراهيم شاهين لحظة القبض عليه كانت زوجته إنشراح على النقيض مع ذلك، فقد كانت في غاية الصلابة، ومتماسكة وقت التحقيق معها، بل وادعت الإنكار طويلا، ولم تقر أبدا بأنها تعمل مع جهاز الموساد الإسرائيلي، ولكنها فجأة انهارت وبدأ سيل اعترافاتها ينهمر حينما فوجئت برجل المخابرات المصرية المكلف بالتحقيق معها يسألها سؤالا هز كيانها: “ماذا فعلت؟ وكيف قضيت ليلة كذا وليلة كذا مع الرائد إبراهام شمعون في إسرائيل؟!”، ووقتها فقط أدركت إنشراح أنه لا مفر من الاعتراف، حيث أدركت أن المخابرات المصرية قد عرفت عنها أدق التفاصيل، حتى لياليها الماجنة التي قضتها برفقة الداهية “أبو يعقوب”، فقد كان الرائد إبراهام شمعون الذي سألها عنه رجال المخابرات المصرية هو نفسه “أبو يعقوب”.
وفي يوم 5 أكتوبر 1974 نشرت الجرائد المصرية خبر القبض على أسرة الجواسيس، وتم تقديم العائلة لمحاكمة عاجلة، وفي يوم 25 نوفمبر 1974صدر الحكم بإعدام كل من الجاسوس “إبراهيم شاهين” وزوجته الجاسوسة “إنشراح علي مرسي” بعد ثبوت تهمة الخيانة العظمى عليهما بتجسسهما على مصر لصالح إسرائيل، كما تم الحكم على الابن الأكبر نبيل بالسجن 5 سنوات مع الأشغال الشاقة، وإيداع الولدين الصغيرين محمد وعادل دار رعاية الأحداث، وبالنسبة للرأي العام في مصر وقتها، فرغم أن الجميع قد تهيأوا واستعدوا لاستقبال خبر تنفيذ حكم إعدام الجاسوس وزوجته، إلا انه قد وقعت مفاجأة كبيرة صدمت الجميع، فما هي هذه المفاجأة يا ترى؟ هذا ما سوف نعرفه غدا بإذن الله تعالى، فانتظرونا.
المصادر:
كتاب “أشهر وأخطر الجواسيس عبر العصور” محمود عبد الله.
كتاب “كل شيء هادئ في تل أبيب” حسني أبو اليزيد.
برنامج النادي الدولي، حوار سمير صبري مع الجاسوسة.
كتاب “جواسيس الموساد العرب” فريد الفالوجي.
جريدة الأهرام الصادرة يوم 5 أكتوبر 1974.
فيديو للجاسوس “رافي بن ديفيد”

زر الذهاب إلى الأعلى